اجتهدت جماعات الهيكل المتطرفة ووضعت كل الإمكانيات المادية واللوجيستية لإنجاح أحد أكبر مواسم تهويد المسجد الأقصى والمتمثل بعيد الفصح اليهودي، لكن الرياح جرت بما لا تشتهيه سفنها ولا سفن المستويين الأمني والسياسي في إسرائيل.
مبكرا، أطلقت جماعات الهيكل دعواتها لتنفيذ اقتحامات جماعية ضخمة لساحات أولى القبلتين، ومبكرا أيضا حثت أتباعها على تهريب وذبح قرابين الفصح الحيوانية داخل المسجد، وأغرتهم بمكافآت مالية كبيرة في حال نجحوا بذلك وتمثيلهم قانونيا إذا اعتُقلوا على هذه الخلفية.
وبحسب باحثين في الشأن اليهودي، تحاول جماعات الهيكل ذبح القربان في الأقصى لإكمال دورة العبادات التوراتية، التي لا تؤدَى إلا داخله وفق اعتقادهم، واكتمال دورة العبادات لا يكون إلا بذبح القربان، وبتحقيق ذلك يصبح المسجد هيكلا من الناحية المعنوية، وينتقلون من التأسيس المعنوي إلى المادي، عن طريق اقتطاع أجزاء من الأقصى.
لم يمر العيد هادئا على المسجد الأقصى، وسجلت قبيل حلوله وخلاله أحداث تشابهت ملامح بعضها مع ذات الموسم من عام 2022 خاصة، فيما يتعلق باقتحام المصلى القبلي.
أبرز المحطات
الجزيرة نت رصدت أبرز محطات هذا الموسم التهويدي الذي انطلق مساء الأربعاء الخامس من شهر أبريل/نيسان الجاري وانتهى مساء اليوم الأربعاء:
-
اقتحمت قوات الاحتلال المصلى القبلي قبل يوم من حلول عيد الفصح واعتدت على مئات المعتكفين فيه واعتقلت 450 منهم، واقتادتهم إلى مركز للشرطة الإسرائيلية ثم أُفرج عن معظمهم بعد تسليمهم أوامر بالإبعاد عن المسجد الأقصى، وكررت الاقتحام في اليوم التالي.
-
نجح مئات المعتكفين في تثبيت الاعتكاف قبل العشر الأواخر، وردوا على اقتحامات المتطرفين بفعاليات الإرباك الصوتي والتكبيرات وأداء صلاة الضحى جماعة وبتغيير مسار المتطرفين بشكل جزئي.
-
نحو 3430 متطرفا ومتطرفة اقتحموا المسجد الأقصى خلال أيام عيد الفصح وأدوا طقوسا وصلوات توراتية في المنطقة الشرقية، وتعمد كثيرون منهم ارتداء الملابس التوراتية البيضاء خلال الاقتحام.
-
فشل المتطرفون بمحاولات تهريب قرابين الفصح إلى المسجد الأقصى، وتعالت الأصوات الغاضبة تجاه قرار منعهم من اقتحام المسجد في آخر أيام العيد والذي يتزامن مع أول أيام العشر الأواخر من رمضان.
-
ضيقت الشرطة الإسرائيلية على أبواب المسجد ومنعت كثيرين من دخوله واحتجزت البطاقات الشخصية لمن سمح لهم بالدخول.
موسم فاشل
في قراءته لهذا الموسم التهويدي، أكد الأكاديمي ومسؤول الإعلام والعلاقات العامة السابق بالمسجد الأقصى عبد الله معروف، أنه لا يمكن إدراجه تحت مظلة نجاحات جماعات الهيكل المتطرفة ولا بأي شكل من الأشكال.
ووصف معروف الموسم بالفاشل، لأنه رغم الإمكانيات والطاقات التي جندتها الجماعات المتطرفة من أجل تنفيذ حلمها بتهريب قربان الفصح وذبحه في المسجد الأقصى لم تتمكن من تحقيق ذلك، مع أنها كانت ترى في هذا العام بالذات فرصة ذهبية لا تتكرر، مع وجود وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير على رأس عمله كوزير يدير أهم وزارة تتعامل مع الشرطة وتشرف على عملها.
في المقابل، فشل الاحتلال أيضا هذا العام -وفقا لمعروف- في منع الاعتكاف بالمسجد الأقصى قبل العشر الأواخر، ورغم التنسيق مع جهات عربية والحشد السياسي والأمني لمنع هذه العبادة في أولى القبلتين، نجح المصلون بتثبيتها رغم الملاحقة والتنكيل، وساندتهم صواريخ المقاومة التي انطلقت من غزة ولبنان، فأُجبرت الشرطة على فتح باب الاقتحامات دون تفريغ المسجد من المصلين.
تعويض الهزيمة بتضخيم الأعداد
لتدارك الهزيمة، حاولت جماعات الهيكل المتطرفة تضخيم أعداد المقتحمين للمسجد خلال 4 أيام فتح فيها باب المغاربة للمتطرفين، وذلك بهدف رفع الروح المعنوية لليمين المتطرف.
أما فيما يتعلق بقرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بمنع الاقتحامات خلال العشر الأواخر، فاستهجن معروف تركيز بعض وسائل الإعلام على هذا الخبر وإظهاره على أنه انتصار، “لأن الاحتلال أعلن قبل بداية رمضان حسب رؤيته للتقسيم الزماني بضرورة إغلاق باب المغاربة في العشر الأواخر، بينما المطلوب هو وقف اقتحامات المستوطنين للأقصى بشكل كامل للحفاظ على قدسية المكان”.
الباحث في دراسات بيت المقدس أنس زاهر المصري، قال للجزيرة نت إن المعركة مع الاحتلال وجماعاته ممتدة وفيها جولات ولا يمكن القول إن هذه الجولة حسم فيها الأمر لنا أو لهم.
لكن من أبرز إنجازات هذه الجولة -وفقا للمصري- نجاح المصلين في تثبيت الاعتكاف قبل العشر الأواخر، ومساعدة قوى المقاومة المحيطة في إضعاف هجمة الاحتلال ضدهم.
وأضاف “حلمنا الكبير أن نصد الاقتحام بشكل كامل، لكن مع اختلاف موازين القوى تمكن المعتكفون من تنغيص الاقتحامات فلم تكن ميسورة بل عسيرة، وتضمنت مواجهة بين المتطرفين والمصلين من جهة والشرطة والمصلين من جهة أخرى”.
المصدر : الجزيرة