تواجه المرأة الفلسطينية مجموعة كبيرة من التحديات والانتهاكات الجسدية والنفسية في سياق الاحتلال العسكري المستمر منذ عقود، والتي تتطلب بدورها اهتماماً دولياً عاجلاً. إذ تتعرض النساء الفلسطينيات إلى عنف ممنهج على أيدي جنود ومستوطني الاحتلال الإسرائيلي.
وتتجلى هذه الانتهاكات في أشكال مختلفة، بما في ذلك الاجتياحات العسكرية ونقاط التفتيش والاعتقال وهدم المنازل، وكلها تؤثر سواء بشكل مباشر وغير مباشر في النساء الفلسطينيات.
وطوال السنوات الماضية، وبالأخص خلال فترات الانتفاضة، خلق الوجود المستمر لقوات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية بيئة من الخوف، ما ترك النساء الفلسطينيات عرضة للمضايقة والعنف، كان آخرها تعرض امرأة للضرب العنيف في شوارع القدس، فضلاً عن حادثة التنكيل بحق 5 نساء في الخليل.
اعتداءات مستمرة
قبل أيام قليلة انتشر مقطع فيديو يظهر أحد عناصر الشرطة الإسرائيلية وهو يضرب بعنف سيدة فلسطينية قبل اعتقالها، زاعماً أنها قد حاولت طعنه عند إحدى بوابات المسجد الأقصى بالقدس. على حين أفاد مكتب إعلام الأسرى بأن محكمة الاحتلال مددت اعتقال الأسيرة فاطمة عمارنة من جنين حتى مطلع الأسبوع المقبل.
وكشف تقرير نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية الثلاثاء، عن تعرض خمس نساء من عائلة فلسطينية للتنكيل من مجندات إسرائيليات قمن بإجبارهن على التعري، كل واحدة على حدة، في حادثة وقعت في مدينة الخليل بالضفة الغربية في يوليو/تموز. وتقول الأسرة إن المجندات هددن بإطلاق سراح الكلب الذي كان برفقتهن إذا لم تمتثل النساء.
وعلى وقع هذه الحادثة، دعا نائب الأمين العام للأمم المتحدة إلى التحقيق في الحادثة التي نشرتها صحيفة هآرتس ومنظمة بتسيلم الحقوقية. بينما تواصلت ردود الفعل الفلسطينية التي نددت بالحادثة وتوعدت بالثأر للفلسطينيات.
من جهته، وصف رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية الاعتداء بـ”الشائن”، وقال إن هذه الحادثة تعكس مستوى الدرك الذي انحدرت إليه ممارسات “الاحتلال الإجرامية”.
“سلاح التحرش”
خلال حرب عام 1948، انتهج الجيش الإسرائيلي الاغتصاب كسلاح تكتيكي، وفقاً لما قالته الدكتورة نادرة شلهوب كيفوركيان، أستاذة القانون في الجامعة العبرية وكاتبة عن العنف العسكري ضد المرأة في مناطق النزاع.
وفي مقابلة مع الصحفي آري شافيت لصحيفة هآرتس، نُقل عن المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس قوله إنه في بحثه عن عام 1948 في الأرشيف العسكري، فوجئ عندما وجد أن “هناك العديد من حالات الاغتصاب التي انتهت عادةً بالقتل”.
من جهتها، قالت شلهوب كيفوركيان إن العنف الجنسي لا يزال ذا صلة حتى يومنا هذا، مشيرةً إلى أقوال الباحث في شؤون الشرق الأوسط مردخاي كيدار من جامعة بار إيلان في إسرائيل، الذي اقترح على الإذاعة الإسرائيلية اغتصاب الفلسطينيات كحل لمواجهة المقاومة المسلحة خلال حرب الصيف الماضي على غزة.
وتضيف شلهوب كيفوركيان إن العنف الجنسي منتشر بحق الفلسطينيات، بدءاً من الطريقة التي يعتدي بها المستوطنون على النساء الفلسطينيات، وحتى كيفية تفتيش النساء على نقاط التفتيش الإسرائيلية، وصولاً إلى منع وصول النساء الحوامل إلى المستشفيات.
اعتقالات بظروف غير إنسانية
تقوم السلطات الإسرائيلية بشكل روتيني بسجن النساء الفلسطينيات، في كثير من الأحيان في ظروف سيئة ومن دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة.
يمكن أن تكون هذه الاعتقالات تعسفية، إذ تُحتجز النساء من دون أي اتهامات أو أدلة واضحة ضدهن، فيتعرض العديد منهن إلى استجوابات قاسية وسوء المعاملة في أثناء الاحتجاز، بما في ذلك الاعتداء الجسدي والنفسي.
كما أن الاعتقال الإداري، وهو ممارسة تسمح للسلطات الإسرائيلية باحتجاز الأفراد من دون محاكمة أو اتهامات رسمية لفترات طويلة، كثيراً ما يستخدم ضد النساء الفلسطينيات. وهذه العملية لا تحرم هؤلاء النساء من حقوقهن الأساسية فحسب، بل تؤدي أيضاً إلى تشتت العائلات وتعطيل الحياة اليومية في المجتمع الفلسطيني.
ومن الجوانب المثيرة للقلق بشكل خاص في الانتهاكات الإسرائيلية ضد النساء الفلسطينيات هو احتجاز الفتيات الفلسطينيات. طوال العقود الماضية اعتُقل الأطفال الفلسطينيون، بمن فيهم فتيات لا تتجاوز أعمارهن 15 عاماً، وتعرضوا للمعاملة القاسية نفسها التي يتعرض لها نظراؤهم البالغون، ولا تنتهك هذه الممارسة القانون الدولي فحسب، بل لها أيضاً آثار نفسية خطيرة ودائمة في هؤلاء الفتيات الصغيرات.
شهادات حية
في محنة استمرت أكثر من شهر، هدد المحققون الإسرائيليون طالبة الصحافة في جامعة بيرزيت ميس أبو غوش بالاغتصاب، قائلين إنها ستموت أو ستصاب بالشلل خلال فترة اعتقالها عام 2019 وتعرضها إلى تعذيب مروّع في الحبس الانفرادي لمدة 33 يوماً في مركز تحقيق المسكوبية، وفقاً لما روته للأناضول.
وقالت فلسطينية محررة من السجون الإسرائيلية إن أكثر من 15 امرأة فلسطينية تعرضن للاغتصاب على يد محققين إسرائيليين لإجبارهن على الاعتراف بالتهم الموجهة إليهن والتعاون مع المخابرات الإسرائيلية. وأضافت: إن “المحققين وضباط المخابرات الإسرائيليين يحتفظون بأشرطة فيديو لعملية الاغتصاب لابتزاز المعتقلات”.
وفي عام 2017، حُكم على ضابط إسرائيلي بالسجن لمدة 11 عاماً بتهمة اغتصاب امرأة فلسطينية، والتحرش الجنسي بأخريات، وفقاً لما ذكرته وسائل إعلام إسرائيلية بعد 5 سنوات من حظر النشر الذي فرضته محكمة إسرائيلية.
وعلى ضوء كل هذه الانتهاكات، كشفت دراسة نشرتها مجلة “Sage” الأمريكية عن تجارب النساء الفلسطينيات مع العنف الجنسي على أيدي موظفي السجون في أثناء زيارتهن لأبنائهن وأقاربهن المحتجزين في السجون الإسرائيلية. وفي مقابلات مع 20 مشاركة، كُشف عن مدى انتشار العنف الجسدي والجنسي. إذ ذكرت تسع عشرة من المشاركات العشرين أنهن تعرضن إلى نوع من التعليقات أو الإيماءات الجنسية اللفظية وغير اللفظية غير المرغوب فيها، أو العري القسري، أو اللمس القسري من موظفي السجن.