النساء أكثر أهل النار”… من منا، نحن النساء، لم تقرأ هذه العبارة في الكتب الدينية يوماً ما، أو تسمعها من أفواه رجال الدين في شرائط الكاسيت وعلى شاشات التليفزيون ومقاطع الفيديو، وحتى في النقاشات العائلية أو الاجتماعية. من منا لم تشعر بالضجر، أو الخوف، أو اللوم والعتاب، على ذنب مجهول لم نرتكبه بالأساس، ويودي بنا إلى هذا العقاب الشنيع تحت قيعان النار، فنحتشد في الأسفل بين جمرات اللهب ونكون الأكثرية في الجحيم.
كم امرأة سألت نفسها عن الأسباب التي هوت بالنساء لتصبح أجسادهن حطب جهنم، بينما على الجهة الأخرى، تعجّ أقدام الرجال في بلادنا في وحل الخطايا، لكن شيوخنا يرون النساء في هلاك يوم القيامة فقط، فلماذا يا ربي النساء أكثر أهل النار؟
المرأة ناكرة للجميل
“يا معشر النساء إني رأيتكن أكثر أهل النار”… هذا حديث قاله النبي عقب عودته من رحلة الإسراء والمعراج، وفسّره الشيخ الشعراوي، بأن النساء يجحدن وينكرن المعروف، معلّلاً بتتمة الحديث: “إنهن يكفّرن العشير”، ومعناه أن المرأة إذا أحسن إليها زوجها طوال الدهر ثم أساء إليها مرة واحدة، تقول: ما رأيت منه خيراً قط! وهو أيضاً نفس تفسير الحويني وتفسير عثمان الخميس، حتى الشيوخ الذين يُشار إليهم بقول الحق والصدق اتفقوا في تفسيرهم على أن الرجال جميعهم يحسنون إلى زوجاتهم، وأن المرأة وحدها هي التي تجحد الفضل، وأنني أتساءل بشدّة: لماذا أصبحنا نشاهد آلاف النساء تعول الأسر وتحتل دور الرجل في الإنفاق على الأسرة، وحتى على الزوج نفسه، وهل إن فعلت هذا المرأة تظل أيضاً أكثر أهل النار؟ هل لو أحسنت المرأة طوال حياتها للرجل وحين أساءت له مرة واحدة وقال أنه لم ير منها خيراً طوال حياته “قط”، يدخل الرجل النار لأنه جاحد الفضل؟
كم امرأة سألت نفسها عن الأسباب التي هوت بالنساء لتصبح أجسادهن حطب جهنم، بينما على الجهة الأخرى، تعجّ أقدام الرجال في بلادنا في وحل الخطايا، لكن شيوخنا يرون النساء في هلاك يوم القيامة فقط، فلماذا يا ربي النساء أكثر أهل النار؟
النساء أكثر أهل النار بسبب كثرة عددهن
الحديث عن الجنة والنار يشغلنا لا محالة، فالجميع يبحث عن المجهول ويخاف منه، لاسيما إن حين تتردّد أحاديث دائمة حول عذاب النار وعذاب يوم القيامة وعذاب القبر، ربما هذا ما دفع امرأة لسؤال الشيخ مصطفى حسني، الداعية الإسلامي: “ممكن أعرف ليه النبي عليه الصلاة والسلام قال إن النساء أكثر أهل النار؟”.
في إجابته، ربما حاول أن يكون لطيفاً وطريفاً، فبدأ يحكي أن النبي قال إن النساء ضعف الرجال في الجنة، وقال أيضاً إن النساء أكثر أهل النار، وأن العلماء حينما فسروا ذلك اعتمدوا في تفسيرهم على كثرة عدد النساء مقارنة بعدد الرجال، أي أن ارتفاع عدد النساء هو السبب وراء تزاحمهن في النار، من هم العلماء الذين جاءوا بهذه الإحصائية؟ هل هم علماء الدين؟ هل هم أخصائيو تعداد سكاني؟ من هم بالتحديد حتى نفهم؟
في تقرير أجرته منظمة الأمم المتحدة، صدر عام 2014، يؤكّد أن عدد الرجال في العالم يفوق عدد النساء بفارق 85 مليون رجل، وفي تقارير بحثية أخرى أكّدها البنك الدولي، أن نسبة النساء في العالم العربي 48%، أي أن نساء الوطن العربي أقل من الرجال بفارق 4%، كما تمثل نسبة النساء في السعودية 42%، وفي الكويت 39%، وقطر 29%، ونسبة النساء في الإمارات 30%، وفي عمان 34%، وهذا مثال لتوضيح أن عدد النساء ليس هو السبب، وإن كان الناس بالفعل أكثر عدداً من الرجال فما المانع أن تصبح جميع النساء بلا خطيئة؟ هل زيادة عددهم دليل على وقوعهن بالفواحش وارتكاب الخطايا؟ ما هذا الفقه “الرقمي”؟.
الرجل متعدّد العلاقات النسائية الذي يخون زوجته جهراً، ويحرم أبناءه من اللقمة ويصرف أمواله على السيئات، في الوقت الذي يترك فيه الزوجة تستقلّ دراجة بخارية تبيع أنابيب الغاز، أو تعمل في مصنع للملابس أليس هو الأحق بأن يكون جسده حطب جهنم؟
الشيخ استمر في شرحه محاولاً توضيح أن ليس كل النساء الناكرات للجميل سوف يدخلن النار. لا عزيزي المشاهد، ستدخل النار المرأة التي يكافح زوجها من أجل إطعامها وإطعام أطفاله، ثم تنكر هذا وتقول له: “هو أنت عملت حاجة”.
أريد أن أقول للشيخ: نعم لم يخترع الذرة. هذا دوره بالأساس، هل تزوجها ومنعها من العمل وأمرها بالإنجاب والبقاء في البيت من أجل تربية الأبناء، ثم يحرمها من اللقمة؟ هذا ليس عدلاً.
النساء حطب جهنم
في حديث صحيح رواه جابر بن عبدالله، ومصدره صحيح مسلم، وفيما معناه، أن النبي في صلاة العيد، اجتمع بالناس وبدأ يعظهم وهو يتجول بينهم حتى وصل إلى مجالس النساء، فأخذ يعظهن، وأمرهن بالصدقة، قائلاً: “تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم”، ولما سألت امرأة من بين النساء الجالسات عن السبب الذي يجعل من أجساد النساء حطباً تشتعل به جهنم، قال لأن النساء كثيرات الشكوى ولا يرضين بالقليل. لكن متى يصبح الرجال حطباً لجهنم؟
الرجل متعدّد العلاقات النسائية الذي يخون زوجته جهراً، ويحرم أبناءه من اللقمة ويصرف أمواله على السيئات، في الوقت الذي يترك فيه الزوجة تستقلّ دراجة بخارية تبيع أنابيب الغاز، أو تعمل في مصنع للملابس وتعتني بأطفالها، بعد أن يترك الحمل كله على كتفيها، أو تعمل ليل نهار في تدبير البيت وتنظيفه والطبخ والرعاية، أليس رجلاً مماثلاً هو الأحق بأن يكون جسده حطب جهنم؟
هل يحبنا الله؟
أثق تماماً أن الله يحبنا، نحن النساء، وأن صورة الكمال والعدل التي نتخيلها في عقولنا عن الخالق ليست مشوهة أو ناقصة، وأن النبي لم يقصد بشكل مباشر أن يسيء إلى النساء، لكن ربما الأحاديث نسبت إليه زوراً أو أسيء تفسيرها من رجال دين ذكوريين، يفسّرون كلام النبي، وحتى كتاب الله، حسب أهواءهم الشخصية.
المرأة الحالية يتم وأد روحها حينما تجبر على الزواج وهي طفلة، ووأد جسدها حينما تدفن نفسها بالحياة وهي أرملة، وحين تتحمّل كره المجتمع ونبذه لو كانت مطلقة، جاءت من وأد إلى وأد، حتى بعد الموت يريدون صنع منها حطب جهنم
أحاول أن أفهم حقيقية السرّ بين كره بعض الشيوخ للمرأة ورغبتهم المستميتة في السيطرة عليها ومنعها من الحياة والزجّ بها في النار بأي طريقة، ماذا فعلت لهم المرأة؟ ما الذي يجعل رجال الدين يفسّرون كل ما هو ديني أو مأخوذ من الدين أو منسوب إليه ضد النساء، كأنما بين الدين والنساء خلاف شخصي، وكأن الله يريد أن ينتقم من المرأة عن طريقهم. لو كان الله يريد أن يضع أغلب نساء الأرض في النار، فلم لم يقل هذا في القرآن؟
عبارة “النساء حطب جهنم” بما فيها من تعميم تفرضه “أل التعريف”، عبارة قاسية، صادمة وموجعة للغاية، وإن كنا لا نعرف ظروف وأوضاع الحياة التي عاشت فيها النساء قديماً ولم يصلنا منها إلا وأدهن، فإن المرأة الحالية يتم وأد روحها حينما تجبر على الزواج وهي طفلة، ووأد جسدها حينما تدفن نفسها بالحياة وهي أرملة، وحين تتحمّل كره المجتمع ونبذه لو كانت مطلقة، جاءت من وأد إلى وأد، حتى بعد الموت يريدون صنع منها حطب جهنم.
كره المرأة لم يتوقف عند التفسيرات الخاطئة لأحاديث النبي، بل كارهو النساء، اتجهوا إلى تأليف أحاديث من أنفسهم، ويحاولون بكل جهدهم إلصاقها بالنبي، كمثل عبارة: “إذا دخلت المرأة النار أدخلت معها واحداً من ثلاثة : أبوها أو أخوها أو زوجها”، وحتى في النار لم يتركوها تتعذب وحدها.
إلى أين نهرب من هؤلاء الرجال الذين يبذلون كل جهدهم لحبس أنفاسنا حتى الموت، وإن متنا يصنعون من أجسادنا وقوداً للنيران؟
المصدر: رصيف22
*المقال يعبر عن رأي صاحبه