الألمان شعب محب للعمل، وينظرون باحترام إلى من يدخل سوق العمل من المهاجرين واللاجئين. وقد شكّلت موجة اللجوء التي حصلت في السنوات القليلة الماضية من منطقة الشرق الأوسط علامة فارقة في المجتمع الألماني في التعرف على ثقافة جديدة وعادات أخرى جاءت مع تدفّق مجتمع كامل (اللاجئون السوريون)، ومنها صوم رمضان بكل ما يحمله من تفاصيل وأسلوب حياة مختلف تماما عن الأيام التي تسبق الشهر الفضيل.
ولعل ألمانيا تعرّفت سابقا على عادات المسلمين وأطعمتهم مع قدوم الأتراك وبعض المهاجرين المسلمين من طلاب وعمال، غير أن موجة اللجوء الأخيرة جعلت الوجود الإسلامي أكثر حضورا.
والعمل في ألمانيا، ضمن الساعات المقرّرة في قانون العمل له قدسية خاصة عند أهل البلاد، فكيف تعامل الألمان مع صيام العمالة المسلمة الوافدة؟ وهل يؤثر ذلك في الإنتاج؟
حرية الاعتقاد من دون إزعاج
مطيع حلواني، سائق حافلة في مدينة كيتسينغن بولاية بافاريا قال للجزيرة نت “لم يكن لرمضان صدى لدى الألمان في بداية قدومنا إلى البلاد، إذ بدا لهم غريبا أن يمتنع الإنسان عن الأكل والشرب لساعات طويلة قد تتجاوز 15 ساعة يوميا، وبعد سنوات من الاحتكاك والتعامل اليومي معنا… استوعبوا الأمر، وأصبحوا يُهنِّئوننا بقدوم شهر الصوم”.
وعن ظروف العمل يقول “بحكم عملي، ليس بالأمر السهل خلال شهر رمضان أن تقود حافلة لساعات ومسافات طويلة، إذ يتطلب ذلك تركيزا وانتباها شديدين، وهو ما تتم مراعاته من جانب الشركة التي أعمل فيها، حيث جرى خفض عدد ساعات العمل للمسلمين، ووضعت خطط مناسبة تلائم شهر الصوم”.
وأضاف أن الشركة منحته إجازة مدتها أسبوع في بداية شهر رمضان، ورغم أن الإجازة تؤخذ عادة بداية الأسبوع، ولكن مراعاة له، وافقت الشركة أن تبدأ إجازته في منتصفه مع حلول رمضان يوم الخميس.
ويقول إن الشركة وضعت خطة عمل تلائمه خلال شهر الصوم، بحيث يبدأ عمله ظهرا وينتهي مع موعد الإفطار أو بعده بقليل، مع مراعاة عدم تكليفه بعمل في العطلة الأسبوعية، علما أن العمل لا يتوقف خلالها.
من جانبه، قال مانفرد هيلبك، زميل حلواني في الشركة، للجزيرة نت “أتجنب التدخين في شهر رمضان أمام زملائي المسلمين في أوقات الراحة، فليس من حقي إزعاج الآخرين، فضلا عن وجوب احترام عقائد زملائي”.
مراعاة أوضاع المسلمين في رمضان
إيريش أنغل، المسؤول الشخصي للموظفين قي الشركة العامة للنقل في مدينة ينا بولاية تورينغن، قال للجزيرة نت “إنه العام الثالث لوجود سائقين مسلمين في شركتنا، ولدينا خطة عمل تراعي وجود استراحات مناسبة للجميع أثناء القيادة. وأعتقد أن الأمر مناسب للسائقين المسلمين في شهر رمضان. وإذا ما تعارض العمل وأوقات الصيام، يستطيع السائق التبديل مع سائق آخر. أما إذا شعر بتعب ولا يستطيع المتابعة، فله الحق بطلب استراحة”.
وأكد إبراهيم دخيل، وهو سائق في الشركة نفسها، ما قاله إيريش، وقال للجزيرة نت “الشركة تراعي أوضاع السائقين المسلمين، وتتعامل معنا في غاية الاحترام. وقد وافقت على طلب الإجازات في رمضان تقديرا لظروف السائق المسلم”.
نحظى باحترام وتقدير
وعن التعامل داخل الشركات في شهر رمضان، قال المهندس عماد الحافز: “أعمل في شركة ماغنا MAGNA المتخصصة في صناعة بعض القطع للسيارات الصغيرة في مدينة نوينشتاين بمقاطعة بادن فورتمبيرغ، جنوبي ألمانيا. هنا، نعمل بنظام الورديات الثلاث على مدار 24 ساعة، وهذا يحتّم علينا الإفطار في الشركة في ورديات الظهر والسحور في ورديات الليل. والمسؤولون يتفهّمون خصوصيتنا ويُقدّرون ذلك، فيسمحون لنا بأخذ استراحة لتناول الإفطار، مع كامل الرضى والاحترام”.
وعن تأثير الصيام على العامل المسلم يقول “الصوم لا يؤثر على العمل، بل ربما نشعر أنه يزيدنا قدرة وعطاء. وهذا ما يزيد إعجاب الآخر بالدين الإسلامي وشعائره”.
وأشار الحافز إلى أن الدستور الألماني ينص على حرية الاعتقاد، وقد اعتاد الناس احترام الممارسات الدينية للآخر، “فلا نشعر بأي مضايقة أو عدم رضى لممارسة شعائرنا، بل إن البعض يسأل عن كيفية الصيام وساعاته وطقوسه”.
كيف تتبعون أوامر صدرت قبل 14 قرنا؟
سومر الصباغ مهندس ميكانيك في شركة ألمانية يقول للجزيرة نت “أعمل يوميا 8 ساعات، فضلا عن ساعة ذهابا وإيابا. وهذا ما يثير أسئلة زملائي حول الصيام، والتزام المسلم به. وعموما، العمل في الشركات الألمانية يقوم على احترام خصوصية العامل، ومراعاة الظروف التي يمر بها. ومع ذلك، هناك من ينظر إلى الصيام بنوع من الغرابة”.
وبدوره يقول مايك لودر، زميل الصباغ في العمل، “أستغرب قدرة العامل المسلم على الصوم لساعات طويلة مع ممارسة العمل الذي يمتد 8 ساعات”.
ويضيف مايك “سألت سومر عن ذلك فقال: أنا مسلم وديني يأمرني بذلك”. ويستدرك مايك “لكني أرى أن ذلك يقلل من قدرة العامل في العمل، وألمانيا لا تعترف بالإسلام كدين”.
المصدر/ الجزيرة