مع تزايد أعداد الوافدين السودانيين في مصر بعد نشوب النزاع المسلح في بلادهم مؤخرا تعززت صورة التنوع العربي بمصر الذي بات يكسو بعض مدنها ويميز عددا لافتا من شوارعها، مثل شارع العشرين في منطقة فيصل بمحافظة الجيزة غرب القاهرة، وميدان الحصري بمدينة 6 أكتوبر في الجيزة، وحارة الصوفي بوسط القاهرة.
ويرى مراقبون تحدثوا للجزيرة نت أن التنوع العربي الذي يتمدد بمصر في الفترات الأخيرة يرجع إلى ود المصريين مع العرب ودمجهم أبناء الجاليات العربية الفارين من النزاعات في المجتمع بكل سهولة، مما جعل القاهرة تستفيد من الحضور الاقتصادي المتنوع لأبناء هذه الجاليات في مناطق مصرية عدة.
ودخل حوالي 14 ألف سوداني إلى مصر من خلال المعابر الحدودية في الأيام الأخيرة وفق منصة اللاجئين في مصر (منظمة مستقلة)، فيما لا توجد إحصائيات رسمية موثقة بشأن أعداد العرب المقيمين في مصر، لكن تقدر أعدادهم بالملايين.
وصرح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أيام بأن بلاده تستضيف 9 ملايين “ضيف” -لم يحدد جنسياتهم- يعيشون في مصر ويتمتعون بكافة الخدمات الأساسية المتاحة للمواطنين المصريين دون تمييز أو تفرقة.
وحسب إحصائيات رسمية للمنظمة الدولية للهجرة، فإن مصر تستضيف 9 ملايين مهاجر من 133 دولة، يعمل 37% منهم في وظائف ثابتة ويساهمون بشكل إيجابي في سوق العمل المصري.
مناطق انتشار العرب
تبرز مدينة 6 أكتوبر بمحافظة الجيزة غرب العاصمة القاهرة كإحدى أبرز المدن المصرية التي تشهد حضورا عربيا متنوعا، ولا سيما السوري والسوداني واليمني.
ويقطن السودانيون في الأحياء الجنوبية منخفضة الإيجارات في مدينة 6 أكتوبر، مثل مناطق بيت العيلة ومساكن عثمان والحي السادس، فيما يقطن السوريون واليمنيون والعراقيون في أحياء المتميز والأول والثاني.
ويشهد ميدان الحصري ومنطقة الأردنية تسابقا بين المطاعم العربية -خاصة السورية والعراقية- لكسب المصريين وباقي السكان العرب، وباتت الأسماء الشامية والعربية رائجة في أسماء المطاعم.
وتعتبر منطقة أرض اللواء من أشهر المناطق في محافظة الجيزة التي تجمع جاليات عدة، أبرزها الجاليتان السودانية واليمنية، فيما يقطن عدد كبير من الليبيين في محافظة الفيوم غرب العاصمة القاهرة.
ويسكن اليمنيون بكثافة في ضاحية الدقي ومنطقة فيصل بمحافظة الجيزة، ويعتبر شارع العشرين في منطقة فيصل الشارع الأبرز حاليا لحضور الجالية اليمنية بمصر.
وفي العاصمة القاهرة ينتشر السودانيون، وتقدر الإحصائيات الرسمية أعدادهم في منطقة الجبل الأصفر وضاحية عين شمس بما يتجاوز 40 ألف أسرة، وينتشرون كذلك في ضاحيتي حدائق القبة وعابدين، وتعتبر حارة الصوفي بوسط القاهرة من أبرز مواقع تجمعهم، فيما يقطن السوريون في مناطق أخرى كالتجمع الخامس والمرج والرحاب ومدينتي، ويتمركز العراقيون في مدينتي نصر والرحاب.
مجتمع ودود
وفي هذا السياق، يوضح الصحفي والمحلل اليمني المقيم بمصر وضاح الجليل أن المجتمع المصري ودود ويرحب بكل الناس، مما يشعر المغترب العربي بأنه جزء من المجتمع، ويسهل له إقامة علاقات جيرة بسهولة مع المصريين، وهو ما شعر به شخصيا.
ويشيد الجليل بما لاحظه من سهولة إجراءات إقامة أي عربي نشاطا اقتصاديا وتعاملات تجارية، مما سهل مهمة ودور مجلس الأعمال اليمني على سبيل المثال، موضحا أن للوافدين العرب -وفي مقدمتهم أبناء اليمن وسوريا- حضورا اقتصاديا بارزا في الصناعات الغذائية والمطاعم والعطارات والبقالة، حسب حديثه للجزيرة نت.
ويشير الجليل -الذي يقيم في مصر منذ 6 سنوات- إلى أن الوافدين العرب يفضلون العيش في العاصمة القاهرة ومدينة 6 أكتوبر وضواحي فيصل والدقي ومدينة نصر ومحافظة الفيوم، مؤكدا أن مصر استطاعت احتواء جميع الجاليات، وبات الملاحظ أن القادمين من مناطق نزاعات أو حروب يشكلون دوائر تواصل مغلقة بين أبناء الجالية أو مع المصريين بشكل ثنائي فقط، مع التركيز على تنمية الاقتصاد.
الأسماء الشامية باتت رائجة في المدن المصرية بحضور سوري لافت (الجزيرة)
قيمة مضافة
من جانبه، يرى الأكاديمي المصري وأستاذ العلوم السياسية خيري عمر أن مصر من الناحية التاريخية شهدت موجات من الهجرة، ومع توترت الإقليم خلال العقد الأخير كان انتقال اليمنيين والسوريين والعراقيين والليبيين إيجابيا، وذلك بالإضافة إلى وجود السودانيين الطبيعي في مصر.
ويوضح عمر أنه ينبغي التمييز بين مسارين الأول: ما يتعلق بالهجرات الطبيعة والحراك السكاني الطبيعي، وبين التحركات أثناء الأزمات السياسية، فالأول يدعم المصالح والتنوع بين الشعوب، وكلما كثر بشكل إيجابي يشكل إضافة إلى المجتمع والدولة، أما النوع الآخر فيتوقف على مدى معالجة إشكالية قدرة الوافدين على تحمل أعباء المعيشة والتكيف مع المجتمع، والتي تشير في الحالة المصرية إلى وجود تعايش إيجابي.
وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف الأكاديمي المصري أن بلاده شهدت في السنوات العشر الأخيرة قيمة مضافة للحضور العربي، وهو ما تمثل في حالة تعايش واندماج اجتماعي بين المصريين والسوريين على سبيل المثال، فضلا عن العراقيين والليبيين واليمنيين، وما ينطبق بصورة أكبر على السودانيين الذي قدموا تجربة إيجابية على مدار التاريخ الحديث.
ويشير إلى أن نسبة الوافدين لا تشكل عبئا أمنيا كما يتحدث البعض، وذلك مقارنة بعدد سكان مصر الذي يتخطى 100 مليون، فضلا عن رغبة الجاليات العربية في التعايش والاندماج المجتمعي والنفع الاقتصادي، في ظل طبيعة المجتمع المصري لاستيعاب الوافدين وعدم عزلهم، وهو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى جعلهم قيمة مضافة.