No Result
View All Result
“وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ”
خلق الله البشر جميعا مختلفين بأطباع واشكالا والوانا وافعالا ولغات وافكارا، بل وخلق كل شي باختلاف تام من حيوانات ونباتات وكل شيء فيا ترى هل لأجل الصراع او التناحر او الاقتتال ام لأجل التكامل مع بعض في تسيير أمور الحياة ومقتضياتها بشكل يخدم البشر.
فلو تأملنا ما يجول في أمور دنيانا من أفعال وعلاقات ونتائج واخذناها بمقياس تنطوي تحت مستوى الادراك الحقيقي لرأيناها انه لا شيء يشبه شي اخر ابدا فكيف للأمم التي تتقدم بدون ان تكون لها أفكار متعددة في سبيل تسيير عجلة تقدمها فكل تقدم هو حصيلة لأفكار متعددة اجتمعت وتبلورت من معطيات مختلفة نتج عنها ازدهار وابداع
فهذه العلاقات الاجتماعية سواء كانت قبلية او دينية او تمدنية ماهي الى سوى انخراط من بودقة لثقافات وعادات وتقاليد مختلفة مع بعض وخير دليل الا وهي العلاقات الزوجية أتت لتكمل الاخر بين جنسين مختلفين ذكر وانثى اجتمعا مع بعض لتنشأ علاقة متكاملة يكمل احدهما الاخر وخير دليل قوله تعالى (هن لباس لكم وانتم لباس لهن) فان أي اختلاف وهو ليس انتقاص للشيء بل هو لتكميل شيء اخر بذاته
والخلاف والاختلاف منهم من يراهما كلمتان مترادفتان ومنهم من يراها مختلفتان حتى بعض البلغاء اختلفوا في صيغة الفصل بينهما وتعريفهما فلكل واحد رأيه ولكل واحد صورته التي يراها صحيحة فيعرفهما لغة الدكتور زياد عبد الكريم أستاذة الفلسفة على النحو التالي:
خِلاَف هو مصدر خَالَفَ، كما أن الاختلاف مصدر اختلف، والخلاف هو: المضادة، وقد خالفه مخالفة وخلافًا، وتخالف الأمران واختلفا، لم يتفقا، وكل ما لم يتساوَ فقد تخالف واختلف.
إذًا: الخلاف والاختلاف في اللغة: ضد الاتفاق، وهو أعم من الضد، قال الراغب الأصفهاني: الخلاف: أعم من الضد؛ لأن كل ضدين مختلفان، وليس كل مختلفين ضدين
اما اصطلاحا الاختلاف والمخالفة: أن يأخذ كل واحد طريقًا غير طريق الآخر في حاله أو قوله، وعليه فيكون الخلاف والاختلاف في الاصطلاح هو: أن يذهب كل واحد إلى خلاف ما ذهب إليه الآخر.
فلو استأقرنا التاريخ وكيف كان العرب يرسلون أبنائهم الى البادية لاكتساب فصاحة اللسان ولكي تقوى عزيمتهم وصلابتهم ولا يقتصر هذا على اكتساب القوة والنشاط الجسدي فحسب بل أيضا جزءا من تلك الحيوية وحرية التصرف والجرأة التي تميز سكان الصحراء أي ان التكوين المجتمعي الذي عليه اهل الصحراء كان يختلف تماما عن التكوين الحضري.
ولهذا فان الاختلاف سنة ربانية كونية جيدة وحسنة قال تعالى (ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ولا يزالون مختلفين).
فلو نضرنا الى الأنبياء والرسل لرأينا انهم أيضا اختلفوا ومن ذلك قصة نبي الله موسى وهارون (عليهما السلام) عندما ذهب موسى الى ربه وترك هارون مع قومه وقال له (اخلفني في قومي واصلح ولا تتبع سبيل المفسدين ) فعبد بنو إسرائيل من بعد موسى عجلا قال تعالى: (واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار).
فنهاهم هارون عن ذلك وقال لهم انه من فعل الشيطان وامرهم باتباع موسى ولكنه بقي معهم فلما جاء موسى عليه السلام ورأى ما رأى غضب على أخيه هارون قال تعالى (وألقى الالواح واخذ برأس أخيه يجره اليه) وعاتبه على ذلك قال تعالى: (قال يا هارون ما منعك اذ رأيتهم ضلوا الا تتبعنِ أفعصيت امري) فكان موسى يعتب على أخيه وطالبه بان يأخذ موقف اخر فأجابه هارون عليه السلام (قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ۖ إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) فانا اخذت الموضوع من زاوية ثانية حتى لا افرق هؤلاء حتى تأتي انت وترى فيهم.
وكذلك الصحابة رضوان الله عليهم اختلفوا أيضا فيما بينهم في زمن الرسول في حياته وفي وفاته وبعد وفاته وهذا خير دليل على ان الاختلاف متلازم لدينا في حياتنا المستمرة ففي حياة الرسول اختلفوا الصحابة عندما ارسلهم الرسول وقال لهم لا تصلو العصر الا في بني قريضة فادرك الصحابة وقت العصر وهم في الطريق فمنهم من صلى العصر ومنهم من اخرها الى ان وصل ديار بنو قريضة فمن صلى منهم اخذ بان الرسول (صلى الله عليه وسلم )كان يقصد الإسراع في الخطى والفريق الاخر التزم بضاهر ما قاله لهم الرسول أي ان الطرفين اجتهدا ولما علم الرسول اقر كلاهما ولم ينكر عليهما.
واختلف أيضا الصحابة بوفاته (صلى الله عليه وسلم) فمنهم من انكر موته ومنهم من قال انه مات حتى ثبتهم الله بخطبة الصديق رضي الله عنه كذلك اختلفوا أيضا في صيغة تغسيله وتكفينه . فالحكمة هنا هو الاستماع الى الرأي السديد والمحكم وعدم التنافر
وبعد وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم ) واتساع الفتوحات الإسلامية والانفتاح على امصار عدة واراض جمى وشعوب شتى تشابكت مجريات الحياة وتعددت احوالها كل حسب ما يحيطه من ظروف حتى ظهرت المذاهب الإسلامية لتيسير سبل الحياة فنرى كل مذهب يؤخذ مأخذ مختلف عن الاخر لكن بدليل ليس لتعسير بل لتيسير
من هذا المنطلق يجب علينا ان نحترم ثقافة الاختلاف في افعالنا واقوالنا وعاداتنا وكل شي نحو تسخيرها لبناء مجتمع راقي ولنأخذ من قول الامام الشافعي عندما قال: (رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب( شعارا نسير على خطاه في احترام الغير وان كان يخالفنا فلا يثور كل منا على الاخر بمجرد خالفه الرأي او الفعل ولتتسع الصدور ويسمو السلام والمحبة وليسمع منا الاخر لكي نستطع ان نرسم ورود الإنسانية في مستقبل أولادنا في العالم اجمع.
No Result
View All Result