للشهر العاشر توالياً، تتحرك ببطء الجهود الدولية والأممية في محاولة للوصول إلى اتفاق جديد للهدنة في اليمن، في الوقت الذي جدد فيه الحوثيون تهديداتهم في حال لم تنفذ شروطهم، بعد تهديدات أمريكية وبريطانية وفرنسية بعزل دولي لجماعة انصار الله الحوثيين.
وفشلت الأمم المتحدة في تجديد اتفاق الهدنة الذي انتهى في أبريل 2022، مما بدد آمال بعض اليمنيين في إبرام اتفاق أوسع من شأنه تخفيف المشاكل الاقتصادية وإطالة أمد الهدوء النسبي الذي تتخلله بين الحين والآخر مواجهات محدودة، بعد أكثر من سبع سنوات من القتال.
ومع التقارب السعودي – الإيراني، والسعودي – الحوثي مؤخراً، بدا أن الجميع يتوقع اقتراب حل الأزمة اليمنية، إلا أن التهديدات الأمريكية البريطانية مؤخراً ضد الحوثي تنذر بمرحلة جديدة من الصراع باليمن، مع استمرار التحشيد العسكري للحوثيين في عدة مدن، فهل تسهم تلك التهديدات في إجبار الحوثيين على الجلوس على طاولة المفاوضات، أم أنها مجرد تهديدات استهلاكية؟ تهديدات دولية مع تحركات بطيئة للأمم المتحدة نحو السلام في اليمن، توعد بيان ثلاثي باسم المملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا (27 يونيو 2023)، مليشيا الحوثي بـ”العزل التام” من قبل المجتمع الدولي في حال عدم تخليها عن الخيار العسكري. وقال سفراء الدول الثلاث في اليمن: إن دولهم “واضحة في عدم وجود حل عسكري للصراع في اليمن، وقد حان الوقت الآن لبدء محادثات نحو عملية سياسية”، مطالبين الحوثيين بالتخلي نهائياً عن أي خيار عسكري، ومحذرين من أن أي عودة إلى الصراع ستؤدي إلى عزلهم التام من قبل المجتمع الدولي.
وأضاف بيان السفراء أنه “من المخيب للآمال بشكل خاص أن نرى الحوثيين يفاقمون الأزمات الإنسانية والاقتصادية الرهيبة في اليمن من خلال الاستمرار في منع صادرات النفط اليمنية”، مشيرين إلى أنه “كان هناك مزيد من التصعيد الاقتصادي مؤخراً، ومن ضمن ذلك منع ناقلات غاز الطهي في مأرب من دخول المناطق الخاضعة لسيطرتها”. وأشار إلى أنه “من الأهمية أن يكون اليمن قادراً على بناء اقتصاد أقوى، وتقديم الخدمات العامة الأساسية وسبل العيش لجميع اليمنيين، وتمكين عمل القطاع الخاص دون تدخل أو ترهيب”.
ودعا سفراء الدول الثلاث “الحوثيين إلى الكف فوراً عن أي أعمال من شأنها أن تلحق مزيداً من الضرر باقتصاد اليمن، والتواصل مع الأمم المتحدة”.
تهديد حوثي مماثل
وصعدت جماعة الحوثي من لهجتها في الأسابيع الأخيرة، وتطلق بين الحين والآخر تهديدات باستهداف الموانئ السعودية، وأخرى باستهداف منشآت النفط والغاز في مأرب، بالتزامن مع تعزيزات عسكرية تدفع بها الجماعة إلى مأرب ومختلف الجبهات في البلاد.
ولعل أبرزها مؤخراً كانت رداً على التهديدات الدولية، حيث توعد القيادي في مليشيا الحوثي محمد ناصر العاطفي، الذي تطلق عليه صفة “وزير الدفاع” في حكومتها، بمواصلة القتال في مختلف الجبهات حتى “تحرير الأراضي اليمنية وأضاف، خلال زيارات ميدانية لمقاتلي الجماعة في محافظة تعز (29 يونيو): “نحن نعد لتحرير اليمن وضد العدوان ومن يحتل الأراضي اليمنية، سواء الإماراتي أو السعودي أو من وراءهم، أو من يقاتل معهم”.
وبحسب وكالة “سبأ” الحوثية، فقد خاطب القيادي العاطفي التحالف العربي قائلاً: “عليه أن يعي أن هذا مبدأ أساسي، ولا نتراجع عن تحرير اليمن، أو أن يبقى غازٍ واحد في الأراضي اليمنية”.
وتابع: “لا داعي لأن يراوغ أو يكذب على الشعب اليمني، فإما سلام يُعلن أمام الناس كلهم، وبشروط ما طرحته القيادة الثورية والمجلس السياسي الأعلى، وإلا فالميدان بيننا”. طبيعة التهديدات الدولية يعتقد الصحفي اليمني عبد الله المنيفي، أن الموقف المعلن من قبل الدول الثلاث “لا يختلف عن مواقفهما من بداية اجتياح مليشيا الحوثي للمحافظات اليمنية، وصولاً إلى صنعاء”.
وأشار إلى أن تلك البيانات والإدانات والتعبير عن الرفض “لا تسمن ولا تغني اليمنيين”، موضحاً أنها في الحقيقة “تتغاضى عما ارتكبه الحوثيون طوال 9 سنوات”.
ويؤكد أن التهدئة التي التزم بها الحوثيين “ناتجة عن اتفاق سعودي إيراني، ومن ثم فالحوثيون ملتزمون به تبعاً لإيران” وفقا لموقع الخليج نت. لكنه يقول: إنه في الوقت ذاته “لا يعني أن المتغيرات الإقليمية والدولية قد دفعت الولايات المتحدة وبريطانيا إلى إطلاق هذه التهديدات، وأن الدولتين تدفعان فعلاً إلى إيجاد حل للأزمة اليمنية، بعد ظهور الدور الصيني في المنطقة” .
وأضاف: “ما سيحدد جدية الولايات المتحدة وبريطانيا إزاء القضية اليمنية هو مدى دعمها للحكومة الشرعية اقتصادياً، واتخاذ إجراءات حاسمة تمكن الحكومة من تصدير النفط الذي أوقفته ضربات الحوثيين”.
وتابع: “يمكن هنا الإشارة إلى أن حذف إدارة جو بايدن للحوثيين من قوائم الإرهاب، بداية 2021، قد مثل تشجيعاً للمليشيا على التصعيد العسكري وقصف المدن والمنشآت المدنية”. مفترق طرق وباتت الجهود المبذولة إقليمياً ودولياً لإحلال السلام في اليمن على مفترق طرق، فإما أن تحقق نجاحاً حاسماً بإقرار وقف الحرب نهائياً، أو ربما تذهب إلى الحرب مجدداً.
وتثير تهديدات الحوثيين المستمرة بالعودة إلى القتال، إضافة إلى تحشيداتهم العسكرية، مخاوف من عودة القتال إلى الساحة اليمنية وبشكل أكبر مما كان سابقاً. وكانت زيارة وفدين عماني وسعودي إلى صنعاء اليمنية والاجتماع مع جماعة الحوثي، في 9 أبريل الماضي، تتويجاً لجهود الوساطة العمانية والجهود الدولية المكثفة التي بذلتها الولايات المتحدة والأمم المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي لإحلال السلام في اليمن، لكنها لم تسفر عن تمهيد الطريق لمحادثات سلام نهائية.
وسبق أن اعترف السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، في مقابلة مع وكالة “فرانس برس”، في أوائل مايو، قائلاً: “ليس من السهل أن تكون الأمور واضحة بشأن الخطوات التالية”. وكان من المفترض أن يلتقي الجانبان عقب عيد الفطر المبارك، لكن فشل استئناف اللقاءات يشير إلى أن نقاطاً متعددة لا تزال محل خلاف، وبحسمها أو تواصل التباين فيها يتقرر ما إذا كان اليمن يتجه إلى إيقاف الحرب أو العودة للصراع، أو على أقل تقدير استمرار الحالة الراهنة المتمثلة بالتهدئة.