في عام 1917م خرجت نساء روسيا مع الحرب العالمية الأولى في احتجاجات يهتفن بـ (الخبز والسلام)، وخلال أربعة أيام من الإضراب الذي افتعلته النساء، أجبر القيصر على التخلي عن الحكم، ومنحت الحكومة المؤقتة النساء حق التصويت!
ولأن جذر الاحتفاء بالثامن من مارس هو سياسي قائم على فكرة الحراك العمالي الذي قادته النساء في أوائل القرن العشرين للمطالبة بتقليل ساعات العمل، وتحسين الأجور، والحق في التصويت، فإن العالم يحتفي سنويا بهذه المناسبة (٨ مارس) يوماً عالمياً للمرأة وأصبح في العديد من الدول عطلة وطنية.
في اليمن لا يزال التاريخ يراوح مكانه، وكأن ساعة الزمن توقفت عند ذلك التوقيت، فالنساء اليمنيات يتعرضن على أصعد مختلفة للتمييز وسوء المعاملة، والتضييق خاصة في المجال السياسي. وأتساءل عما إذا كان حضور المرأة الذي يروج له في الإعلام حضوراً حقيقياً ذا فاعلية أم هو مجرد ادعاء؟!
في حديثي لن أتطرق إلى موضوع المساواة بين الرجل والمرأة بوصفها مطلباً عالمياً، ولكن فيما يبدو أن المساواة لم تعد مادة دسمة لفتح شهية المرأة؛ فبعد عقود من المساواة المزعومة أصبح الحديث عن الإنصاف مقدماً على المساواة، وذا توجه فعال في المطالبات النسوية الحديثة.
يربط الكثير من الناس المساواة بالعدل، بافتراض أن للجميع نفس المتطلبات، وأن الحل واحد يناسب الجميع.
بالاختلاف عن المساواة يركز مفهوم الإنصاف على التنوع، وبالتحديد على تنوع متطلبات كل شخص، مجموعة، أو مجتمع، وهو يؤكد اختلاف سبل الوصول، والفرص مع الاعتراف أن لكل فرد مزايا فريدة ويحتاج إلى وسائل وموارد مختلفة من أجل تحقيق النجاح.
ما نريد للقارئ أن يصل إليه هو أن الإنصاف للمرأة يشكل جانباً مهماً وأكثر نفعاً من المساواة مع الرجل؛ فالإنصاف في مجال الصحة للمرأة يعني بأن هناك متطلبات صحية للنساء تختلف عن متطلبات الرجال.
الشيء ذاته ينطبق على إنصاف المرأة في العمل، فالمرأة لها خصوصيات تختلف عن الرجل في بنيتها الجسمانية البيولوجية، ما يؤكد على ضرورة مراعاة هذا التنوع والاختلاف للمشرع القانوني في العمل والأخذ بالاعتبار، حالات المرأة الصحية وتعرضها لفترات تحتاج فيها إلى الراحة كالحمل والنفاس والإرضاع.
والأخذ بالاعتبار ممارستها لدورها الطبيعي في الأمومة ومعالجة تلك الاختلافات في أطر تنصف المرأة وتحفظ لها كرامتها وإنسانيتها، وتساعدها على النجاح في عملها، وقس على ذلك المجالات والقطاعات كافة في التعليم والتكنولوجيا وغيرها.
ولتقريب المثال بشكل أفضل، حينما يقرر معلم/ـة في مدرسة ما أن يقوم بعمل مسابقة للطلاب/ـات في صفه، وهذا الفصل يتكون من عدد من التلاميذ الكبار والصغار وذوي الإعاقة، فإن من الإنصاف أن تكون المسابقة التي يخطط لإقامتها المعلم/ـة مناسبة لجميع الطلاب/ـات من جميع الفئات المذكورة، فلا يصح أن يقوم بعمل مسابقة رياضية قد يظلم فيها ذوي الإعاقة، أو مسابقة تفاضل بين الكبار والصغار.
إن الإنصاف يحتم على المعلم/ـة أن يأتي بمسابقة تتناسب مع التنوع الذي يشكل قوام الصف المدرسي.
وهكذا الأمر بالنسبة للمرأة، فإننا بصفتنا نساءً نبحث عن الإنصاف، أكثر من البحث عن المساواة، وبالتحديد في مجالات العمل؛ حيث يكثر فيها التهميش وعدم الاكتراث لخصوصية المرأة، التي ربما تظلم المرأة أكثر مما تنصفها وإلا فإن المجتمع سيخسر قوة عاملة فاعلة يحق لها أن تكون شريكاً فاعلاً في بناء الوطن.